فصل: حصار قلعة حارم وانهزام نور الدين إمام الإفرنج ثم هزيمتهم وفتحها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء أخي نور الدين على حران ثم ارتجاعها.

كان نور الدين سنة أربع وخمسين وخمسمائة بحلب ومعه أخوه الأصغر أمير أميران فمرض نور الدين بالقلعة واشتد مرضه فجمع أخوه وحاصر قلعة حلب وكان شيركوه بن شادي أكبر أمرائه بحمص فلما بلغه لأزحاف سار إلى دمشق ليملكها وعليها أخوه نجم الدين أيوب فنكر وأمره بالمسير إلى حلب حتى يتبين حياة نور الدين من موته فأغذ السير إلى حلب وصعد القلعة وأظهر نور الدين للناس من سطح مشرف فافترقوا عن أخيه أمير أميران فسار إلى حران فملكها فلما أفاق نور الدين سلمها إلى زين الدين علي كجك نائب أخيه قطب الدين بالموصل وسار إلى الرقة فحاصرها والله تعالى ولي التوفيق.

.خبر سليمان شاه وحبسه بالموصل ثم مسيره منها إلى السلطنة بهمذان.

كان الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد بن ملك شاه عند عمه السلطان سنجر بخراسان وقد عهد له بملكه باسمه على منابر خراسان فلما حصل سنجر في أسر العدو سنة ثمان وأربعين وخمسمائة كما مر في أخبار دولتهم واجتمعت العساكر على سليمان شاه هذا وقدموه فلم يطق مقاومة العدو فمضى إلى خوارزم شاه وزوجه ابنة أخيه ثم بلغه عنه ما ارتاب له فأخرجه من خوارزم وقصد أصبهان فمنعه الشحنة من الدخول فقصد قاشان فبعث إليه محمد شاه ابن أخيه محمود عسكرا دافعوه عنها فسار إلى خراسان فمنعه ملك شاه منها فقصد النجف ونزل وأرسل للخليفة المستنصر وبعث أهله وولده رهنا بالطاعة واستأذن في دخول بغداد فأكرمهم الخليفة وأذن له وخرج ابن الوزير ابن هبيرة لتلقيه في الموكب وفيه قاضي القضاة والتقيا ودخل بغداد وخلع عليه آخر سنة خمسين وبعد أيام أحضر بالقصر واستخلف بحضرة قاضي القضاة والأعيان وخطب له ببغداد ولقب ألقاب أبيه وأمر بثلاثة آلاف فارس وسار نحو بلاد الجبل في ربيع سنة إحدى وخمسين ونزل الخليفة حلوان واستنفر له ابن أخيه ملك شاه صاحب همذان فقدم إليه في ألفي فارس وجعله سليمان شاه ولي عهده وأمدهما الخليفة بالمال والسلاح ولحق بهما ايلدكز صاحب الري فكثرت جموعهم وبعث السلطان محمد إلى قطب الدين مودود صاحب الموصل وزين الدين كجك علي نائبه في المظاهرة والأنجاد وسار إلى لقاء سليمان شاه فانهزم وتمزق عسكره وفارقه أيلدكز فذهب إلى بغداد على طريق بشهرزوز وبلغ خبر الهزيمة إلى زين الدين علي كجك فخرج في جماعة من عسكر الموصل وقعد له بشهرزور ومعه الأمير إيراق حتى مر بهم سليمان شاه فقبض عليه زين الدين وحمله إلى الموصل فحبسه بها مكرما وطير إلى السلطان محمود بالخبر فلما هلك السلطان محمود بن محمد سنة خمس وخمسين أرسل أكابر الأمراء من همذان إلى قطب الدين أتابك وزيره وزيرا له وتعاهدوا على ذلك وجهزه قطب الدين جهاز الملك وسار معه زين الدين علي كجك في عسكر الموصل إلى همذان فلما قاربوا بلاد الجبل تتابعت العساكر والإمداد للقائهم إرسالا واجتمعوا على سليمان شاه وجروا معه على مذاهب الدولة فخشيهم زين الدين على نفسه وفارقهم إلى الموصل وسار سليمان شاه إلى همذان فكان من أمرهم ما تقدم في أخبار الدولة السلجوقية.

.حصار قلعة حارم وانهزام نور الدين إمام الإفرنج ثم هزيمتهم وفتحها.

ثم جمع نور الدين محمود عساكر حلب وحاصر الإفرنج بقلعة حارم وجمعوا لمدافعته ثم خاموا عن لقائه ولم يناجزوه وطال عليه أمرها فعاد عنها ثم جمع عساكره وسار سنة ثمان وخمسين معتزما على غزو طرابلس وانتهى إلى البقيعة تحت حصن الأكراد فكبسهم الإفرنج هنالك وأثخنوا فيهم ونجا نور الدين في الفل إلى بحيرة مرس قريبا من حمص ولحق به المنهزمون وبعث إلى دمشق وحلب في الأموال والخيام والظهر وأزاح علل العسكر وعلم الإفرنج بمكان نور الدين من حمص فنكبوا عن قصدها وسألوه الصلح فامتنع فأنزلوا حاميتهم بحصن الأكراد ورجعوا وفي هذه الغزاة عزل نور الدين رجلا يعرف بابن نصري تنصح له بكثرة خرجه بصلاته وصدقاته على الفقراء والفقهاء والصوفية والقراء إلى مصارف الجهاد فغضب وقال والله لا أرجو النصر إلا بأولئك فإنهم يقاتلون عني بسهام الدعاء في الليل وكيف أصرفها عنهم وهي من حقوقهم في بيت المال ذلك لا يحل لي ثم أخذ في الإستعداد للأخذ من الإفرنج وسار بعضهم إلى ملك مصر فأراد أن يخالفهم إلى بلادهم فبعث إلى أخيه قطب الدين مودود صاحب الموصل وإلى فخر الدين قرا أرسلان صاحب كيفا وإلى نجم الدين وإلى صاحب ماردين بالنجدة فسار من بينهم أخوه قطب الدين وفي مقدمته زين الدين علي كجك صاحب جيشه ثم تبعه صاحب كيفا وبعث نجم الدين عسكره فلما توافت الإمداد سار نور الدين نحو حارم سنة تسع وخمسين فحاصرها ونصب عليها المجانيق واجتمع من بقي بالساحل من ملوك الإفرنج ومقدمهم البرنس سمند صاحب إنطاكية والقمص صاحب طرابلس وابن جوسكين واستنفر لهم أمم النصرانية وقصدوه فأفرج عن حارم إلى إرتاج ثم خاموا عن لقائه وعادوا إلى حصن حارم وسار في إتباعهم وناوشهم الحرب فحملوا على عساكر حلب وصاحب كيفا في ميمنة المسلمين فهزموها ومروا في أتباعهم وحمل زين الدين في عساكر الموصل على الصف فلقيه الرجل فأثخن فيهم واستلحمهم وعاد الإفرنج من أتباع الميمنة فسقط في أيديهم ودارت رحا الحرب على الإفرنج فانهزموا ورجع المسلمون من القتل إلى الأسر فأسروا منهم أمما فيهم سمند صاحب إنطاكية والقمص صاحب طرابلس وبعث السرايا في تلك الأعمال بقصد إنطاكية لخلوها من الحامية فأبى وقال أخشى أن يسلمها أصحابها لملك الروم فإن سمند ابن أخته ومجاورته أحق إلي من مجاورة ملك الروم ثم عاج على قلعة حارم فحاصرها وافتتحها ورجع مظفرا والله يؤيد بنصره من يشاء عباده.